علم النفس والدين الاسلامي توافق لا تناقض
علم النفس والدّين الإسلامي: توافق لا تناقض
غياب القيود المجتمعية عن الأفراد الغربيين مكّنهم من التعبير بحرية مطلقة عن مشاعرهم ورغباتهم المختلفة , كالرغبة في الانتحار والإقدام عليه, الأمر الذي يعدّ مصدراً للحكم بقلّة الإيمان في مجتمعنا العربي , ومن هنا استطاع الباحثون والعلماء تقديم علم النفس بكلّ ما تحمله النفس الغربية من فلسفات ومعتقدات كالنظرة الفردانية التي تترك للإنسان حرية المرجعية لقيمه وأخلاقه بالإضافة للفلسفة الوجودية كأكبر حجة يتخذها البعض على علم النفس كمُذلّل لأمراض واضطرابات عدة, الجدير بالذكر أنها لا تعدّ ذات صلة بالعلم إلى جانب صدورها عن"فرويد" الذي لا يؤمن بالفطرة السليمة للإنسان.
فهل من السليم أن نهمل علم بأكمله لأن عالماً واحداً ذا سمعة سيئة اشتهر بمعتقداته الدينية المخالفة لنا؟
وهل من العدل إطلاق وصمة ضعيف الإيمان على كل من يلجأ للاختصاصي النفسي؟
وعلى الجانب الآخر يعتبر الكثيرون أن علم النفس بإمكانه أن يعزز الصحة النفسية للمسلمين دون أن يُخلّ بمبادئ الدين, باعتبار أن الإسلام يحثّ بتعاليمه على الترابط الأُسريّ والتكافل الاجتماعي, كما يؤكد علم النفس بالدراسات أهمية وجود الدعم الاجتماعي للفرد المصاب باضطرابات نفسية للوصول إلى مرحلة التعافي والتوازن النفسي.
والسؤال هنا , هل يصحّ أن نضع علم النفس الغربي بقالب الدين الإسلامي؟
وبالتالي هل استخدام عبارة" علم النفس الإسلامي" تحمي مستخدميها من تأثير الغرب الكافر؟
لنتأمّل أولاً في سيرة النبي الكريم محمّد عليه الصلاة والسلام وطريقة تعامله مع أصحابه والناس ولنبحث فيها عن مواقف حثّ فيها على الاهتمام بالصحة النفسية و العقلية.
لنجد أن أركان الإسلام الخمس , بدءً من الدعوة للإيمان بالله تعالى وحده , ثم الصلة به طلباً للعون و المدد والهداية , ومن ثم الدعوة للتكافل الماديّ المجتمعي , لنصل إلى صحة الروح والجسد والعودة للتوازن بعد الصيام , إلى الركن الأكبر وهو الحج الذي يهذّب النفس البشرية ويخلصها من الشحناء والبغضاء ويعيدها لحجمها الطبيعي , حجم العبودية الخالصة لله تعالى كل ذلك في أيام لا تتعدى أصابع اليدين.
كلّ ذلك يتوافق مع جوهر العلاج النفسي , وهو تعزيز الصحة العقلية والوصول للسلام الداخلي مع إقامة علاقات صحية مع المجتمع والمحيط, وهو الذي يسعى الاختصاصيون لتطبيقه في حياتنا المعاصرة.
إذاً لا فصل بين الدين الإسلامي وتعاليمه مع علم النفس, بل توجّه موحّد على هدف مشترك
فعندما نقول أن العقيدة السليمة والصحيحة تدعو للتسليم بقضاء الله وقدره, خيره وشرّه, توازي مفهوم "التقبّل" كأحد طرق العلاج النفسي المعروفة.
أما تقنية الامتنان في العلاج النفسي يوازيها الحمد والشكر لله تعالى على نعمه وطلباً لاستدامتها.
كما لا فصل بينهما في مجال الإرشاد الأسريّ, كلاهما يهدف للإصلاح والحفاظ على الأسرة كجزء واحد, فاكتمل دور المرشد الأسري المجاز بعلم النفس و المثقف بأحكام الدّين والقادر على فكّ شيفرة العلاقات بين الزوجين ولديه القدرة على طرح حلول واقعية للمشكلات الزوجية, مع دور المفتي الفقيه بالأحكام الشرعية.
إذاً ما الواجبات المفروضة على الاختصاصي النفسي " المتديّن" إن صحً التعبير؟
أولاً: تجنب ثم توقّف عن مزاولة مهنة الإرشاد النفسي إن كنت غير قادر على التكيّف مع علم النفس بما يتناسب مع شخصيتك وقيمك الدينية والثقافية.
وفي حال الاضطرار لذلك ينصح باستلام حالات تتوافق مع ما تمّ ذكره سابقاً, وإلا فإن فرضها على المستفيد والتعريج عليها سيعرّضه للضرر عوضاّ عن الراحة المطلوبة.
لا يمكن تعميم راحتك النفسية عند سماع المعلومات من المصدر المشرّع على المستفيدين, ولا يعني ذلك بالضرورة وقوع الضرر إن طبّق عليهم تقنيات العلاج العلمية الغربية مثل المعرفي السلوكي والتحليل في السرد والرجوع لذكريات المشكلة وغيرها من تقنيات علاجية لا تنافي الدّين مطلقاً.
ثانياً: إن وجدت خلال سير الجلسات أن الجانب الإيماني مهمّ لدى المستفيد ويشعره بالراحة النفسية, عليك أن تقترح بعض الأنشطة الإيمانية, الصلاة وقراءة الأذكار, كجزء من الخطة العلاجية الشاملة وليس فرضاً أو استبدالاً لتقنيات العلاج المعتمدة والمتناسبة مع احتياجاته.
ثالثاً: التحدي الأكبر هو تعاملك مع شكاوى نفسية لها ارتباط بحكم شرعي يحرمها وغير محمودة أخلاقياً كالخيانة الزوجية أو المثلية الجنسية.
وهنا عليك كاختصاصي محترف أن تدرك أن إصدار الأحكام الشرعية وبيان الحلال والحرام لا يمتّ لك بصلة, إنما عليك التوجيه لدار الإفتاء وليأخذ المستفيد دينه من أهله.
وأتمم دورك كاختصاصي بإحسان من خلال تقديم الدعم النفسي وساعده على تطوير تقنيات تمكنه من تجاوز مشكلاته بنجاح.
ما هو سر الجمع بين علم النفس والدّين؟
تعاني بعض المجتمعات الدينية من رفض كامل لعلم النفس بسبب فهمهم الناقص لمبادئه بل بسبب نظرتهم المتشددة والضيقة لتعاليم الشريعة الإسلامية, فهل يختلف الدين عن علم النفس بمبادئ جوهرية مثل الاستماع الفعَال وعدم إطلاق الأحكام والتعاطف؟
أم أن عقدة النقص تتجلى بأبهى حللها ,لأن هذا العلم قادمٌ إلينا من ذلك الغرب الكافر بأنعم الله والغير مصدّق للدين الذي جاء به سيدنا محمّد عليه السلام؟
إذاً سرّ علم النفس "الإسلامي" موجود فعلياً بين أيدينا , فهو يتعايش معه بطبيعة الحال
ويتوجب تطبيقه من مختصّ ملمّ بتعاليم الدين والأحكام الشرعية وعلم النفس وتقنياتها العلاجية المرنة المتناسبة مع السياق الثقافي والديني لكلّ حالة مرضيّة.
ختاماً, الدين الإسلامي وعلم النفس كلاهما يحرصان على سعادة الإنسان وراحته النفسية , وهذا لا يعني أن يعيش الإنسان بسعادة مطلقة بعد تلقيه العلاج النفسي, بل أن يكتسب مرونة نفسية تمكنه من التوازن والاستمرار بالحياة بواقع صحي مقبول.
آلاء زينو
اختصاصية نفسية
مدير ومؤسس منصة نفسجي
مقالات أخرى
الغذاء والصحة النفسية
يعتقد بعض الناس أن العواطف والمشاعر وحدها التي تتحكم بالصحة النفسية للإنسان إلا أن هذا الاعتقاد خاطئ لأن هناك جانب مهم سنتحدث عنه في هذا المقال وهو أثر الغذاء على الصحة النفسية العلاقة بين الغذا
03/04/2024الصحة النفسية في بيئة العمل
الصحة النفسية في بيئة العملعرفت منظمة الصحة العالمية WHO الصحة النفسية على انها الرفاه النفسي الذي يُمَكن الانسان من مواجهة الضغوطات الحياتية و الامضاء قدماً في التعليم و العمل مما يساهم في تنمية و تط
11/02/2024كيف اعزز تقبل الذات و الثقة بالنفس لدى طفلي؟
اولاً، تقبل الجسد. للاسف مع ظهور اعلامي كبير يحمل في طياته الوجه المثالي لشكل الجسد و لونه يميل الكثير من الاطفال او المراهقين الى تشكيل نظره سلبيه لشكل اجسادهم. من المفيد ان يحاور الوالدين طفلهما بشأ
11/02/2024